رقعة الشطرنج السياسي في السودان تخفي حياة مجتمع مؤمن بغد أفضل
الخرطوم: عمر المضواحي المصدر جريدة الوطن السعودية
على عكس المشهد الاجتماعي الغني، يبدو المشهد السياسي في السودان أشبه ما يكون بقراءة خطوط كف ضامر. أو استنطاق بقايا بن محروق في قعر فنجان صغير. ولا تعدو أكثر القراءات تفحصا ودربة، عن كونها محاولة تجديف منجم أو عراف، امتهن لعبة الضرب في أسمال الغيـب. حتـى رجالات السياسة أنفسهم- وكل شعب السودان ساسة- يعترفون إذا ما وافق شن التحليل طبقة الواقع، فإنه مجرد خبط عشواء إن تصب.
الأحزاب والمنظومات السياسية هنا تركيبتها شديدة التعقيد، ومواقف وحركة قادتها وزعمائها لا تقل تعقيدا على طاولة شطرنج السودان السياسي. يستحيل فهم لعبة السياسة هنا، كما يستحيل فرز ألوان كرة الكريستال بطيف قزحها المجهر. وهي أعصى فهما من تفسير انكباب إسكافي رقيق، لزركشة مقبض سوط سيد يذيقه من ذؤابته لسع الألم!.
خلال الأيام الماضية، زادت تجربة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والإقليمية التي تجري هذه الأيام في ولايات السودان الخمس والعشرين الصورة السياسية غموضا وتعقيدا. ولا يعلم إلا الله والراسخون في العلم الى أين يتجه السودان السياسي.
في المقابل، ثمة ضوء شفيف في ثنايا الشارع السوداني، وقبس من أمل يقود أكثر من 16 مليون ناخب للتغيير بعد أن مل الانتظار على ضفاف مستقبل لا يجيء. من دخل مقرات الاقتراع المهترئة، وشاهد تسابق أصابع الشيوخ والشباب، رجالا ونساء على غمس سباباتهم بلون التصويت الأزرق، للخروج بها مرفوعة للسماء في لحظة تباه نادرة، يمكن قراءتها بأنها تصويت مبكر على السودان الواحد، وبأن الله في علاه هو من يستحق المناجاة، ولو بأصابع ضامرة، لقدوم ساعة الفرج والخلاص.
أعشاش وصناديق، وغرف من الصفيح والأخشاب، مطمورة تحت ظل أشجار يبست أعوادها على طرق ترابية، ومبان إدارية تآكلت واجهاتها بفعل حرارة الطقس وعوامل التعرية، تحولت الى خلايا تصويت لا تهدأ منذ تنفس الفجر بخور النور، وحتى تعود طيور المساء الى أعشاشها فوق أشجار الدوم والسنط وأعناق النخيل.
لم تمنح الحكومة شعبها إجازة لممارسة حق الاقتراع، لكنهم جاؤوا لثقتهم في المستقبل، يسرقون ساعة أو ساعتين ليزيدوا في رصيد أحلامهم بغد أفضل، وسودان غير الذي يعيشون فيه.
الحياة العملية تدور في دولابها اليومي المعتاد. المزارعون يسقون بعرقهم حقول الذرة والبقوليات، والطلاب في مدارسهم وجامعاتهم، والموظفون خلف طاولات مكاتبهم، والأسواق مشرعة بدكاكينها ومقاهيها ومطاعمها المتواضعة.
"إنهم يستحقون أكثر من هذا العدم المتاح !"، تكاد تكون هذه العبارة هي خلاصة تجربة كل الزوار من الإعلاميين ووفود المراقبين الدوليين لتغطية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والإقليمية التي تجري هذه الأيام، عندما يتسامرون في المساء في بهو فندق الكورال في العاصمة الخرطوم. ورغم مظاهر التقشف في الخدمات العامة، وضعف البنية التحتية، والدخل المحدود لغالبية سكان العاصمة، يزجون مسامراتهم بتجاربهم الحية مع الشعب السوداني. الجميع متفق أنه شعب خارج المقارنة. وأنهم سيعودون حتما لتكرار عسل التجربة المشحونة بذكريات لا تنسى.
الجميع يشهد بأن السودان اليوم أكبر من أن يختصر في أزمة دارفور أو حرب الجنوب والصراعات السياسية. وأنه كم هو مخطئ من يحاول نسج ملامح السودان على نول الشخصيات الدينية أو السياسية المتناحرة بحثا عن كرسي السلطة، والصعود على أكتاف البسطاء.
السودان، عند اكتشاف إنسانه في الداخل، وطبيعته البكر، ومنجم الفرص الوفيرة فيه، هو شيء آخر غير ما تعرضه جل الشاشات الفضائية العربية والعالمية. وعندما تزور هذا البلد، كن ابن من شئت واكتسب أدبا، فقط أزل قشور القناعات الزائفة، وتطهر من رجس عنصرية اللون والعرق والمذهب، وترفع عن ظلم المقارنة، وأعد البصر مرتين: مرة بعين الإنصاف، وأخرى بروح المحبة، حينها سترى المعدن النفيس، وستلمس المثل الحي للمجتمع المطمئن، وللإنسان في أحسن تقويم.
هم ليسوا ملائكة، ولا ينبغي لهم أن يكونوا في عالم تسكن في جنباته أرواح الشر وخناس الشياطين، لكنك حيثما تولي وجهك في هذه القارة الشاسعة، سيأسرك فيض المحبة المحضة، والبساطة في أغنى صورها.
سترى بياض قلوب أنقى من العمائم المسربلة، وخفة أرواح بشرية تسبق أذرعهم المشرعة دوما للاحتضان ورتب المتون والأكتاف. ابتسام بدون تزلف، وعطاء بلا منة يتبعها أذى، وريح طيبة تأسرك في سر البذل مع العدم، بروح من القناعة والوداعة والصبر الجميل.
في السودان سدة الكرم العربي ولا جدال، وسدرة منتهى الكبرياء والتعفف ولا رياء، وفيهم وعنهم تتضاءل كل حكايات مكارم الأخلاق وطيب المعشر ولا تزلف. إنسانه حر يتنفس أصالة وعراقة وحبا للغريب، تكسر ثورة غضبه كلمة اعتذار، ولا يتورع عن ردم تجربة قاسية معك ملؤها الخطأ وكسر الخاطر. ولا يتردد لحظة عن إطفاء شمس غضبه السريع والمندفع، ليتحول في لحظات الى شجرة (دليب) معمرة تمد ظلا طويلا يتجاوز محطات العفو والصفح والتسامح.
السودان شيء آخر فاكتشفوه!
جريدة الوطن الأحد 4 جمادى الأولى 1431ـ 18 أبريل 2010 العدد 3488 ـ السنةالعاشرة
الثلاثاء ديسمبر 02, 2014 9:09 pm من طرف Donglawi
» مخاطر الاسبستوس وطرق الازالة الامنة
السبت يونيو 14, 2014 1:19 pm من طرف Admin
» أداة لايقاف الاعلانات المزعجة
الإثنين أغسطس 05, 2013 5:12 pm من طرف Admin
» شنطة رمضان مع نوبة الخير
الخميس يونيو 13, 2013 12:00 am من طرف نوبة الخير
» طفل مطيع ومتعاون بلا عقاب
الإثنين أبريل 29, 2013 7:44 pm من طرف مريم مكى
» عرض أقدم كسوة للكعبة بأبو ظبي
الإثنين أبريل 29, 2013 7:34 pm من طرف مريم مكى
» تلومينا -حضرت ولم أجدكم!
الإثنين أبريل 29, 2013 2:52 pm من طرف مريم مكى
» أسماء نوبية جميلة
الأحد أبريل 28, 2013 6:58 pm من طرف مريم مكى
» العنف ضد المرأة
الأربعاء أبريل 17, 2013 6:01 pm من طرف مريم مكى
» إسْتِفْتاء : هل تؤيِد العمل النوبي المُسلح في حالة تهديد بلادنا
الأحد مارس 31, 2013 2:39 pm من طرف مريم مكى
» اليوم النوبي العالمي
الإثنين مارس 25, 2013 6:01 pm من طرف Admin
» ساهم فى سلامة الاهل
الإثنين مارس 25, 2013 4:22 pm من طرف مريم مكى
» الزنجبيل لجمال شعرك سيدتى
الأحد مارس 24, 2013 6:03 pm من طرف مريم مكى
» تهنئة ليويو النوبية
الخميس مارس 21, 2013 3:52 pm من طرف مريم مكى
» اليوم النوبي العالمي - السابع من يوليو من كل عام
السبت مارس 09, 2013 2:38 pm من طرف Admin
» دورة التسويق الألكترونى للمدرب الدولى / دكتور رامى يوسف
الإثنين يناير 07, 2013 7:52 pm من طرف محبى د رامى
» دورة اعداد المدربين بشهادة معتمدة
الإثنين يناير 07, 2013 7:47 pm من طرف محبى د رامى
» الغربة والنوبيون
الأربعاء أكتوبر 31, 2012 8:38 pm من طرف suleiman mahmoud
» إلى من يهمهم ألإمر .....
السبت أكتوبر 13, 2012 2:02 pm من طرف عوض صيام
» رجاء .. ايها الوطن , اصفح عنا فلقد قبرناك ..
الأحد سبتمبر 30, 2012 2:09 am من طرف عوض صيام