ابحار مع دلالات المفردات النوبية

مفردات نوبية -2
دلالات الظل في المعتقد

قبل أن استرسل في إضافة بعض ما اعتقد فيه من علاقات قائمة بين المفردات النوبية والمعتقد. ولكي لا يعتقد بان ما أتناوله ( من اعتقاد اقرب إلى الجزم في وجود علاقة حسية خفية قائمة بين المعتقد والمفردات النوبية ودلالاتها ) هو من ذاك النهج المُتبع لدى البعض ومحاولاتهم في الإتيان بمفردات وأسماء من لغات وإرجاعها إلى أصول نوبية بدون سند منطقي مقبول ، أو توثيق معتمد .
وقد تلمست بان ذاك الأمر يستهوي الكثيرين الذين يتندرون بها في مجالسهم , فانا لست ضد اجتهاداتهم الشخصية فربما تساعد تلك المحاولات في تفتق أفكار وطرق وأساليب قد تهدي إلى مسالك. لكن لا استطيع الأخذ به.
أما ما استنبطته من علاقات قائمة في مدلول مفردات كثيرة يمكن أن يجرفنا إلى شط آخر ويبعدنا عن أصل ومضمون الطرح ، لذا سأكتفي بمثال لتلك العلاقة التي تلمسناها في مثالنا السابق (كرى) التي فاقت بدلالاتها ومعانيها عشرة أسماء، منها العطاء أو الهدية أو الجائزة. وكذلك تأتي بمعنى الأنثى. وأيضا بمعنى العيد. الخ.. حيث تجد أن هنالك علاقة قائمة بين العطاء والعيد والهدايا والإتيان بالشيء والأنثى التي تلد كصورة من صور العطاء. والأمثلة كثيرة. لكن لنا في عجالة أن نتناول مثال العلاقة في المعتقد الواردة في كلمة اولي/ نور فهنالك علاقة بين الظل والشمس ، وبين الماء والعطاء. وهي واضحة في مكونات المفردة (اولي- ن- نور) فكلمة (اولى) تعني (السُقيا وغرف الماء) . كما أنها تعني أيضا الكفين مضمومتين. ولها دلالات ومعاني أخرى كثيرة. وكلمة (نور) أتت بمعنى الرب وبمعنى الظل أيضا.
كما أن هنالك علاقة قائمة بين ضم الكفين في حالة الدعاء، و في حالة غرف الماء. وترمز في صورتها أيضا صورة تلقى العطاء ، كل ذلك وغيره يؤكد بان هنالك ثمة علاقة قائمة بين الأسماء ودلالاتها. فعندما تأتى مجتمعة في معاني ( اول- ن- نور) بتركيبة فريدة تجمع في معانيها بين الظل والرب والدعاء والعطاء...و مع وجود علاقة بين الظل والشمس، وبين الماء والعطاء .. والنماء.
لأنه من المؤكد أن النوبي قدس الماء والشمس قبل اعتناق الديانات السماوية. وأطلق الأسماء على ما يشاهد من الكائنات ذوات الظل. أما ما ليس له ظل فكان له شأن في المعتقد. والنوبي بفطرته لم يعبد ذات ظل أبداً .. حتى قبل اعتناق الديانات.

مفردات نوبية 3
دلالات ومعاني
مواضع التشكيل

ذكرنا فيما سبق أن المتعمق في اللغة النوبية ومفرداتها يجد بعض التميز في الأداء والأسلوب ، وأنها اختصت بين اللغات باستخدام حرفين في تكوين مفرداتها. إلى جانب عدم التفريق في التأنيث والتذكير، وذكرنا أن هنالك فلسفة خاصة في تصريف المفردات النوبية، مع اعتقادي في وجود علاقة حسية قد تكون قائمة بين المفردات والمعتقد. ونأتي هنا إلى تعامل النوبي مع الحروف الهجائية ومواقع التشكيل . فقياسا بالتشكيل في العربية نجد أن النوبي يعتمد على تشكيل أول حرف في المفردة - بينما في العربية آخرها - وهنالك من الأدوات ما يمكن ان نقول عليه قياسا بالعربية انه يقابل الفتحة والكسرة والضمة.
واجتهدت أنا شخصيا في تسمية بعضها لاستبيان دلالاتها ، جدت وجدت أن ما يقابل النصب في العربية الإعزاز .وعلامته الفتحة وما يقابل الجر الغيرية وتأتي بالكسرة
أما الرفع وعلامته الضمة فيقابله في النوبية المشاع ولنا أن نسوق بعض الأمثلة التوضيحية
* الفتحة عند النوبي تعني الإعزاز أو الاعتزاز بالشيء... فإذا نصب النوبي أول حرف في الكلمة دل ذلك على الخصوصية فمثلا كلمة (أي) دلالة يسوقها المتحدث عن نفسه وتعني (أنا) وكذلك (أني) أي خاصتي حيث تحس من نبرات صوت المتحدث جملة من الإعزاز والاعتزاز.
* أما الكسرة فيستدل في ورودها في أول المفردة -عدم التملك - وأن المخاطب به دوما الغير ( إر) أنت..(إني) خاصتك.. ولا تجد في صوت المتحدث تلك النبرات، بل هي اقرب إلى الانكسار. وتدل على أن ملكية الشيء عائدة للغير!!.
* والضمة تفيد الجمع .. وشيوع التملك عند النوبي. فإذا بدا الكلام بحرف مضموم تفيد دائما بأن ملكيتها مشاعة أو مشتركة. ومثال ذلك واضح في (اُني) وتعني خاصتكم. ولنا أن نقف عندها فهي تعني أيضا الولادة وهي ليست ببعيدة عن معنى (خاصتكم) فهي بفلسفة النوبي تعني ما أتيتم به ..أو ما أتاكم.
* أما في حالة الاستفهام -الذي لا يؤكد أو ينفي الملكية- فالحركة النوبية تأتي بكسرة منتهية بما يقارب حرف الهاء في آخر المفردة، ولا تؤثر في أصل الحركة الآتية بدلالة معينة. ومثال ذلك في (إنليه) وتعني أهي خاصتك.. فهي مكسورة في أولها لانها اتت بدلالة عدم التملك ولكن بصيغة استفهام ..
أما إذا أتت بالضمة كما في (اُنليه) أهي خاصتكم .. فالحركات الأصلية التي أتت بدلالة سابقة تكون باقية في أول الكلمة..
* أما إذا أتت لتدل مشاركة المتحدث في الملكية فتمد الحركة الاولى (اُونليه) وكأن المد استعاضة عن الفتحة لتأتي بالإعزاز.
والواو مد طبيعي للضمة، ولكنها إذا أتت في هذا السياق تؤكد الشيوع في المشاركة.- سوف نأتي لشرحها لاحقا - كما في كلمة (انو) الجد و(أناو) الجدة.
وكما سبق لنا الإشارة إلى بعض دلالات المفردات النوبية، ومعانيها. نود أن نضيف للمتابع أن لبعض الحروف في اللغة النوبية شيء من ذلك أيضا، ودور بارز في تشكيل المعاني والمفردات .
وسوف نتناول في وقفتنا المقبلة إن شاء الله بعض ما نعتقد من خواص للدلالات النوبية ومفرداتها .